الاستقالة أم خوض المعركة … ماذا سيختار نائب الحاكم الأول لمصرف لبنان؟
كتب سعد الياس في “القدس العربي”:
بعد الحديث عن ارتسام مبدئي لمرحلة ما بعد خروج رياض سلامة من حاكمية مصرف لبنان. وذلك من خلال تسلّم نائب الحاكم الأول وسيم منصوري المسؤولية إلى جانب نواب الحاكم الثلاثة الباقين. إلا أن خيار الاستقالة الذي لوّح به نواب الحاكم لا يزال محور بحث. ولم يسقط نهائياً بعد كما سقط خيار التمديد للحاكم رياض سلامة وخيار التعيين لحاكم جديد. كما فقد سعى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في أكثر من اجتماع مع نواب الحاكم لثنيهم عن الاستقالة. كما وأفضت الاتصالات الأخيرة تعويماً للمخرج القانوني الذي يقضي بتسلم نائب الحاكم الأول وسيم منصوري المسؤولية. وذلك بعد تلبية المطلب بتوفير تغطية نيابية وقانونية للصرف من موجودات مصرف لبنان بقيمة 200 مليون دولار على ثلاثة أشهر. وذلك لتأمين رواتب القطاع العام بالدولار وشراء أدوية السرطان واستيراد القمح والاستمرار بمنصة صيرفة.
موقف وسيم منصوري من مغامرة سلامة
وافيد أن منصوري متحمّس لتولي المسؤولية بعد مغادرة سلامة. كما ونُقل عنه قوله إنه «ليس من النوع الذي يترك المعركة ولا يعمل في الوقت عينه على خوض معارك خاسرة». إلا أن مرجعيته السياسية المتمثلة برئيس مجلس النواب نبيه بري تتحفّظ على هذا التوجه. وذلك لعدم تحميل الطائفة الشيعية مسؤولية أي انهيار دراماتيكي في سعر صرف الليرة اللبنانية خصوصاً أن الطائفة الشيعية باتت تتسلّم أيضاً وزارة المال ومنصب المدعي العام المالي. ولم يقتصر الأمر على مرجعية منصوري السياسية التي كانت وراء تعيينه. بل إن المرجعية الدينية المتمثلة بنائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ علي الخطيب كان له موقف رافض أيضاً لتولي نائب الحاكم الشيعي مسؤولية الحاكم. وأكد في موقف معلن «أن الأصوات ارتفعت عندما تحدثوا عن الشغور في حاكمية مصرف لبنان واستلام الشيعي النائب الأول مهام الحاكمية. وذلك لأن هذا الموقع للطائفة المسيحية». بينما وسأل «ما عدا مما بدا حتى تغيّرت الأمور إلى تحميل النائب الأول مسؤولياته في البقاء في موقعه وعدم الاستقالة وتهديده بالمحاكمة؟». مضيفاً: «يريدون تحميلنا مسؤولية الانهيار الاقتصادي والمالي وينسون مسؤولياتهم ودورهم في حصول الانهيار. كما ويريدون تحميل الطائفة الشيعية والسلاح وزر الانهيار، لذلك انا أرفض ان يتولى نائب الحاكم الشيعي المسؤولية».
وكان مجلس الوزراء فشل في الانعقاد لطرح تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان. كما طلب الرئيس بري من الرئيس ميقاتي بسبب مقاطعة وزراء ح/ز/ب الله و«تيار المردة» والتيار الوطني الحر. بينما يجهد ميقاتي للأخذ بالخطة الموضوعة من قبل نواب حاكم مصرف لبنان. كما ويعتبرها منسجمة مع خطة حكومته. طالباً تعاون الجميع للحفاظ على الاستقرار المالي والنقدي النسبي وعدم تعريضه للاهتزاز.
طريقة تعاطي مجلس الوزراء مع الملف
وقد عبّرت طريقة التعاطي في هذا الملف عن التخبط في كيفية إدارة الملفات والأزمات من قبل المنظومة. والتي بدأت تتهيّب انكشاف المناورات والفذلكات المالية وعن ترك أمور المعالجة دائماً حتى اللحظات الأخيرة. وذلك بدل استباق الاستحقاقات وعدم الاستسلام للشغور سواء في رئاسة الجمهورية أو في حاكمية البنك المركزي ولاحقاً في قيادة الجيش. واللافت أنه عند كل استحقاق يتم الرهان على ظروف خارجية أو داخلية لخلط الأوراق وتغيير التوازنات. ولعل المنظومة السياسية كان في نيتها التمديد لسلامة على رأس الحاكمية وبقي هذا الخيار مطروحاً حتى ما قبل انعقاد جلسة مجلس الوزراء التي قاطعها الوزراء. كما وصرّحوا أنهم يرفضون أي تمديد أو أي تعيين. بينما يشير البعض إلى أن رسائل أوروبية رفضت التمديد لسلامة في وقت تتم ملاحقته في عدد من الدول الأوروبية وفي الداخل اللبناني. وذلك بناء على إخبارات من خصوم سلامة وفي طليعتهم التيار الوطني الحر الذي كان رئيسه يعد الأيام والليالي لمغادرة الحاكم. كما ويدفع القاضية غادة عون لملاحقته ومنعه من السفر، والذي في آخر موقف له قال «كان من الأفضل طرد سلامة ومحاسبته وسجنه على أن يتم انتظار انتهاء ولايته».
ترقب موقف وسيم منصوري
يبقى أن موقف وسيم منصوري غداً الاثنين في مؤتمره الصحافي الذي يعقده في مصرف لبنان سيحدّد الاتجاهات. فإذا أعلن استقالته استجابة لرغبة المرجعيتين السياسية والدينية. كما يكون تفادى انتقال كرة النار إلى يديه. بينما إذا لم يستقل يكون قد قرّر خوض المعركة وتلقى وعداً بتأمين التغطية القانونية للانفاق من الاحتياط الالزامي وأموال المودعين. وكان نواب الحاكم كشفوا في اجتماع لجنة الإدارة والعدل النيابية أنهم بعثوا أكثر من مراسلة إلى وزارة المال. وذلك حول التوظيفات وحقوق السحب الخاصة التي استنفدت جزءاً كبيراً من الأموال. إلا أن النواب أكدوا أنه لم تصلهم أي مراسلة حول هذا الموضوع، ما يعني تغطية غير مباشرة من وزارة المال لسياسة الصرف من قبل مصرف لبنان. وذلك تأميناً لاستقرار مزيّف قائم على تثبيت سعر صرف الدولار على حساب المواطنين وودائعهم.