الام… مدرسة الحياة!
كتبت فرح مرعي في “لبناني. كوم”
يقول الشاعر حافظ ابراهيم “الام مدرسة ان اعددتها اعددت شعبا طيب الاعراق”، فالام هي العامود الاساسي لبناء الاوطاء والشعوب; اذ انها الركيزة الاساسية التي تؤسس اطفالها داخل المنزل وتزرع فيهم اسس الادب والعلم والاخلاق حتى ينطلقوا الى المجتمع الكبير، اذا فالام هي التي تبني المجتمعات والحضارات التي تنطلق من داخل مؤسستها الصّغيرة في المنزل.
تلعب الام دورا بارزا في المجتمعات ،فهي المربية التي تزرع الاخلاق الحميدة في الجيل الصاعد الذي يبني مجتمعا متقدما، وهي المعلمة التي تزرع في اطفالها العلم والثقافة اللذين هما ركيزة المجتمعات المتطورة والمتحضرة ; فبغياب الام تنعدم الاخلاق ويختفي العلم وتهدم المجتمعات.
جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، مَنْ أحقُّ الناس بِحُسن صَحَابَتِي؟ قال: «أمك» قال: ثم مَنْ ؟ قال: «أمك»، قال: ثم مَنْ؟ فاجابه رسول الله : «أمك»، قال: ثم مَنْ؟ قال: “أبوك”, في إشارة واضحة الى أن لكل من الأبوين حقًه في المصاحبة الحسنة؛ والعناية التامة بشؤونه، الا ان حق الأم فوق حق الأب بدرجات، إذ لم يذكر حقه إلا بعد أن أكد حق الأم تمام التأكيد، بذكرها ثلاث مرات، وإنما علت منزلتها منزلته مع أنهما شريكان في تربية الولد هذا بماله ورعايته؛ وهذه بخدمته في طعامه وشرابه، ولباسه وفراشه و غيره لأن الأم عانت في سبيله ما لم يعانه الأب، فحملته تسعة أشهر وهنًا على وهنٍ، وضعفًا إلى ضعف؛ ووضعته كرهًا؛ يكاد يخطفها الموت من هول ما تقاسي، وكذلك أرضعته سنتين، ساهرة على راحته، عاملة لمصلحته وإن برحت بها في سبيل تلك الآلام وبذلك نطق الوحي: (ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) ، فتراه اوصى الإنسان بالإحسان إلى والديه؛ ولم يذكر من الأسباب إلا ما تعانيه الأم إشارة إلى عظمة حقها.
ومن حسن المصاحبة للأبوين الإنفاق عليهما طعامًا وشراباً، ومسكناً ولباسًا؛ وما إلى ذلك من حاجات المعيشة، إن كانا محتاجين، بل إن كانا في عيشة دنيا أو وسطى؛ وكان الابن في عيشة ناعمة راضية فمن واجبه مساندتهما فإن ذلك من الإحسان في الصحبة.
وقد اوصى الله بالاحسان الى الوالدين بقوله تعالى : ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريمًا. واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا).
وقد اوصت المسيحية بالام حيث جاء في رسالة بولس إلى أهل أفسس “أكرم أباك وأمك” ، وهي الوصية الأولى بوعد: “لكي يكون لك خير ، فتعيش طويلًا على الأرض”.
وكما اوصت المسيحية بالوالدين كذلك بقولها”العين التي تسخر من أبيه وتحتقر طاعة أمه ، تلتقطها غربان الوادي ، وتأكلها النسور الصغار”.
على الرغم من عظمتها واهميتها في حياة اطفالها سواء كانت هي التي انجبتهم ام لا لان الام ليست فقط تلك التي تقاسي الامرين عند منحها نعمة الحياة لجنينها، بل هي ايضا تلك التي تضحي وتسهر على تربية جيل واعد ذو مستقبل مشرق ; ورغم ان الاولياء والرسل اوصوا بها لعظمة قدرتها فهي التي تهز المهد بيمينها والعالم بيسارها الا انها تعاني الامرين وتناضل من اجل الاستحصال على جزء بسيط من حقوقها المهدورة بسبب القوانين البالية والعادات الذكورية في المجتمعات الشرقية بشكل عام والمجتمع اللبناني بشكل خاص.
فكم من ام حُرمت من حق رؤية اطفالها لانها انتفضت على واقعها التي انفرض عليها بسبب قانون الاحوال الشخصية الذي يمنح الرجل كافة حقوقه حتى لو كان مخطئا; وكم ام خسرت حياتها بسبب تعنيف زوجها لها الا انها آثرت الصمت وضحّت بحريتها لأجل راحة ابنائها لانها تعلم ان القوانين العفنة ستكون جائرة ولن تمنحا حقها; وكم ام لم تستطع ان تمنع اطفالها جنسيتها رغم ان ذلك هو حق من حقوقها لكن القوانين اللبنانية تأبى ان تمنح العدالة والامان للامهات على الرغم من ان المجتمع اللبناني اصبح منفتحا نوعا ما.
اخيرا وليس آخراً تحية إجلال لكل ام حُرمت من ابنائها بسبب القوانين الجائرة، تحية اجلال وتقدير واحترام لكل ام خسرت ولدها شهيدا فداء الوطن وجاءها عيد الام مثقلا بالغصّة والالم والدموع، وكل عام وامهات لبنان بخير.