
ليبانون ديبايت – وليد خوري
في الإنتخابات النيابية الأخيرة عام 2018، نجح النائب السابق وليد جنبلاط في شدّ عصب ناخبيه عبر إيحائه ومسؤولي حزبه أنّ المختارة مُحاصرة والمطلوب تحجيم دورها، الإستثمار العاطفي فعل فعله فنجَح الإشتراكيون في حصد تسعة نواب بين الشوف، عاليه، بعبدا بيروت والبقاع الغربي.
حكاية حصار المختارة تشبه إلى حدّ بعيد حكاية الراعي الذي كان يستنفر أبناء منطقته عبر الزعم أنّ هناك ذئبًا يُهاجم قطيعه وفي كل مرة هبّ الأهالي لنجدته وجدوه يسخر منهم وقد تجرعوا المقلب الذي أعدّه لهم، ولكن عندما تعرّض القطيع لهجوم الذئب في المرة الأخيرة لم تنفع نداءات الإستغاثة التي أطلقها فدفع الثمن.
وبعد أربع سنوات أصبح الشعار الوهمي “المختارة محاصرة” الذي رفعه جنبلاط حقيقة واضحة غير أنّ المفارقة تكمن في أسماء الشخصيات التي تُحاصر القصر العريق. فعلى رأسهم يقف رئيس الحزب التقدمي نفسه ويعاونه جمع غفير من المسؤولين الذين كانوا ولا يزالون يعملون معه.
أدوات الحصار التي يستخدمها جنبلاط أضحت متنوعة، فالبيك الذي لم يتخلف عن تقديم المساعدات في العامين الأخيرين يبدو أنّه أقفل “الحنفية” مؤخرًا ويكفي الإشارة إلى مريضة تنتمي وعائلتها إلى الحزب الإشتراكي بقيت لأيام تحاول الحصول على مساعدة للدخول إلى إحدى مستشفيات الشوف لإجراء عملية جراحية عاجلة ولكن طلبها قوبل بالمماطلة أولا قبل أن يتم إبلاغها بعد أيام من المكوث في قسم الطوارئ أنّ المساعدات توقفت.
قبل أيام أيضا، إنتقد عضو الحزب الاشتراكي رشاد زيدان طريقة تعاطي ابن بلدته ناصر زيدان أحد المسؤولين الاشتراكيين البارزين مع بعض الملفات فكانت النتيجة صدور قرار بفصله مما دفعه الى كتابة منشور على صفحته على فايسبوك قال فيه:
“وصلني للتو نبأ عن قرار فصلي من الحزب شفهياً وذلك بعدما استقلت انا شخصياً من الحزب هذا هو الافلاس بحد ذاته. وأريد أن أقول: عندما تحترمون حرية كل فرد من الحزب نحن أول المنتسبين، عندما تعيدون الحزب لمبادئه الاساسية نحن أول المنتسبين، وعندما تكونون رجالاً وتستطيعون مواجهة اليد اليمنى لرئيس الحزب نحن اول المنتسبين. وعندما تستطيعون التخلّص ولجم الكوادر الموتورة التي تؤثر على مسرى الحزب بين المجتمع، ويصبح الحزب حزب العمال الكادحين والفقراء ويتخلص الحزب من مبدأ أنا أو لا احد نحن أول المنتسبين”، مضيفا، ” عندما يقتنع رئيس الحزب (وليد جنبلاط) بوجوب تغيير وجوه السرقة والسمسرة والحيرمة والفساد، وعندما تأخذون برأي الوجوه الجديدة المعطاءة الطامحة للتغيير داخل و خارج الحزب لمصلحة الحزب، وعندما تتخلون عن الفاسدين داخل الحزب تعرفونهم جيدًا بالأسماء وبالمخالفات نحن أول المنتسبين”.
وعلى الرغم من هذا الكم الهائل من الإشكالات والأزمات الداخلية، دخل جنبلاط في معمعة جديدة هذه المرة مع الهيئة الروحية للطائفة الدرزية على خلفيّة إنتخاب شيخ عقل جديد خلفا للشيخ المنتهية ولايته، نعيم حسن.
وفي هذا السياق يتمّ التداول بروايتين حول هذه المشكلة، الأولى تشير إلى ان جنبلاط أراد تعيين الشيخ سامي أبي المنى مهما كلف الأمر، أما الثانية فتتناول قيام بعض المقربين منه بإقناعه بتجاهل رأي الهيئة الروحية عبر طمأنته بأن حالة الإعتراض على تزكية أبي المنى لن تستمر سوى أيام قليلة ثم تعود الأمور إلى طبيعتها وكأن شيئا لم يكن.
في الحالتين أدخل جنبلاط نفسه بحصار ديني مع إعلان كبار المرجعيات الروحية في الطائفة معارضتهم لتعيين شيخ عقل من قبل السياسيين، مؤكدين أنّ هذا الموضوع مناطٌ برجال الدين بالدرجة الأولى، معلنين بدء القطيعة معه وهم الذين يمتلكون حضورا في الوسطين الديني والزمني داخل الطائفة.
واذ سجّل المراقبون الاشتراكيون على جنبلاط “مواربته” برفضه الاسماء التي تقدمت بها المرجعيات الروحية لأنها وصلته بعد استشارة حزب التوحيد العربي وئام وهاب، فكان الاجدى به ان يعلن انه يريد شيخ عقل محسوب عليه بالكامل، بدل ان يقدم حججاً لا تقنع المرجعيات او المناصرين الذين لا يكنون لوهّاب أي مودة، وكان يمثل حتى فترة ليست ببعيدة “حالة شاذة” بحسب تعبير جنبلاط نفسه.
ووسط هذا التخبط وما تشهده الساحة الدرزية أين يقف رئيس كتلة اللقاء الديمقراطي تيمور جنبلاط الذي يبدو أنه سيكون الخاسر الأكبر بفعل المحاصرة الذاتية التي يتقنها البيك في هذه الأيام لقصر المختارة.