
يعيش لبنان اليوم، حالة من الإنقسام المجتمعي لا مثيل له، لا يقتصر على الإهتراء في كيان الدولة السياسي وبنيته الروحية، إنما نموذج العيش المشترك الذي يترنح به اللبنانيّون أصبح عبئًا ثقيلاً لم يعد يحتمله الشعب. مع بدء ثورة 17 تشرين، بدأت الأزمات تنهمر فوق رؤوسنا، أزمة مالية ونقدية رهيبة، مرورًا بحائجة كورونا العالمية ثم كارثة إنفجار المرفأ، كل تلك الأزمات المتتالية، أدت الى تصدع إجتماعي قد يؤدي الى إنفجار وحرب أهلية. ولكن هناك من يقول أن هذه الكيان يحتاج إلى عقدٍ إجتماعي جديد؛ من أجل إعادة إحيائه، وهناك من يقول، لا بد أن يتحول لبنان من دولة مركزّية إلى دولة فيدرالية، ولكن هل الحل في لبنان يكون في الفيدرالية؟
ما هو الحال في لبنان؟ هل تشكل الفيدرالية حلاً لنزاعاته المستمرة؟
منذ زوال الإمارة، واللبنانيون يعيشون حروباً وفتناً تهدأ لسنوات لتعود وتندلع من جديد مخلّفة انقسامات حادة داخل المجتمع ومرسّخة التدخلات الأجنبية أكثر فأكثر. ففي كل مرّة تؤدي الاعتداءات والمجازر المتبادلة إلى فرز سكاني جديد وتتجذر الحاجة إلى حماية الدول الأجنبية أو إلى رعايتها لتهدئة الأوضاع وإعادة الأمور إلى مجاريها. لكن هذه الأمور للأسف لا تعود إلى ما كانت عليه سابقاً وفي كل مرة تلجأ الدول لاختراع نظام جديد يراعي مصالحها هي، أكثر مما يراعي مصلحة اللبنانيين أنفسهم، فتعود الأمور لتنفجر من جديد وهكذا دواليك فلا تكون سنوات السلم إلا فترات هدنة بين فتنتين. وفي كل مرة يزيد الشرخ ويتعمّق بين اللبنانيين حتى انتفى الشعور بالمواطنة أي بالانتماء إلى وطن واحد وتكوين أمة واحدة ينصهر المواطنون داخلها ليصبحوا شعباً واحداً. وصار الانتماء الأقوى هو إلى الطوائف وأضحى اللبنانيون مجموعة من الطوائف، يخاف بعضُها من بعض، كل واحدة تلجأ إلى جهة خارجية لتحميها من الآخرين.
يبدو لافتا هذه الأيام انتشار ظاهرة الاعاشات المناطقية والكراتين المذهبية،
تارة أحدهم يوزع المازوت على أبناء جلدته، وتارة اخرى يفتتح ذاك الحزب مركزا للتسوق ويعطي التصاريح من مكتبه.
كل هذه التطورات تصب في نتيجة واحدة، وهي الغاء الدولة وحلول الدويلة مكانها.
حتى اصبحت كراتين الاعاشات تشكل الخط الأزرق الداخلي بين الكانتونات الطائفية الجديدة.
تبقى “الفتّيشة” كلمة السر فهل تكون معركة عسكرية وبعدها اتفاق على غرار ما حدث في مؤتمر الطائف والدوحة؟